في زحام الحياة ، وبينما كنت أركض خلف عقارب الساعة ، شعرتُ فجأة بأن الدروب قد تشابكت أمامي .
كانت الهموم تتراكم كغبار كثيف يحجب الرؤية ؛ ضغط العمل ، قلق المستقبل ، وتشتت الفكر .
شعرتُ بأن العالم بأسره يضيق عليّ رغم اتساعه ، وكأنني تائه في صحراء لا نهاية لها بلا بوصلة .
كان ثقلُ الحياة يشدني إلى الأسفل ، وكنت أبحث عن مخرج ، عن يدٍ تمتد لتنتشلني من هذا الضياع .
لحظة التحول :
في خضم تلك الضوضاء الداخلية ، صدح صوت المؤذن مخترقاً جدار الصمت : "الله أكبر .. الله أكبر" .
لم يكن مجرد نداء للصلاة ، بل كان نداءً لروحي المتعبة .
كانت العبارة تعني لي حرفياً : "الله أكبر من همك ، أكبر من خوفك ، وأكبر من كل ما يشغل بالك" .
تحركتُ بتلقائية نحو الوضوء ، ومع كل قطرة ماء ، كنت أشعر وكأنني أغسل عن قلبي بقايا القلق والتوتر ، لا أطهر أطرافي فحسب ، بل أطهر روحي استعداداً للقاء العظيم .
في رحاب المحراب :
فرشتُ سجادتي ، تلك المساحة الصغيرة التي تتسع لأحلامي كلها .
وقفتُ بين يدي الله ، رفعتُ يديّ مكبراً ، وكأنني ألقي الدنيا وما فيها خلف ظهري .
في السجود كانت النجاة .. حين وضعتُ جبهتي على الأرض ، سقطت كل الأقنعة ، وانهمرت الكلمات التي عجزتُ عن قولها للبشر .
همستُ في أذن الأرض ، فسمعتني السماء .
شكوتُ ضعفي ، فسرى في عروقي شعور بالقوة .
تخلصتُ من أحمالي هناك ، وتركتها وديعة عند من لا تضيع ودائعه .
النور بعد العتمة :
عندما سلمتُ منهياً صلاتي : "السلام عليكم ورحمة الله" ، شعرتُ بسلام حقيقي يسري في كياني .
لم تتغير الظروف من حولي في تلك اللحظة ، المشاكل لم تختفِ سحرياً ، لكنني أنا من تغيرت .
أصبحتُ أرى الدروب بوضوح أكبر .
عادت إليّ السكينة ، وعرفتُ أن لي رباً يدبر الأمر بينما أنا غارق في القلق .
أدركتُ حينها يقيناً أن الصلاة لم تكن مجرد حركات ، بل هي طوق النجاة الذي أمسك به كلما عصفت بي أمواج الحياة .
- الصلاة ليست انقطاعاً عن العمل ، بل هي وقود له : هي استراحة المحارب التي تعيد شحن الروح لتكمل المسير .
- السجود هو الارتفاع : كلما انخفضت لله ساجداً ، ارتفعت روحك وسما قدرك ، وتجاوزت الأمور المعقدة .
- المناجاة شفاء : الحديث مع الله في الصلاة يغنيك عن ألف جلسة علاج نفسي ، فهو يسمع ما لا تنطقه شفتاك .
مدونة قوافل الود
