التكبر هو سجن الذات وهادم العلاقات


إن النفس البشرية أرض واسعة ، فيها الوديان والسهول ، وفيها القمم الشاهقة . 

ولكن عندما تختار هذه النفس أن تتسلق قمة التكبر وشوفة النفس ، فإنها لا ترتفع حقيقة ، بل تضع على وجهها قناعاً براقاً من الزيف ، يعزلها عن جمال الواقع وبساطة الحياة .

ما هو التكبر وشوفة النفس ؟

التكبر ليس مجرد شعور بالثقة ، بل هو اعتقاد زائف بالاستحقاقية والتفوق المطلق على الآخرين . 

هو نظرة من علو، تُصغِّر كل من حولها لتعظم ذاتها  . 

أما التعبير الشعبي "شوفة النفس" ، فيصف تلك الحالة التي يرى فيها المرء نفسه محور الكون ، ولا يرى إلا انجازاته وميزاته ، متجاهلاً عيوبه وفضل الآخرين عليه . 

إنه تضخم للأنا يصل إلى حد الانفصال عن الحقيقة .

قالوا في الحكمة : "التكبر مرض يقتل صاحبه قبل أن يقتل الآخرين ، لأنه يحرمه من رؤية نقائصه وتصحيحها" .

سلبيات التكبر المدمرة ...

لا يقف التكبر عند حدود السلوك غير المرغوب فيه ، بل يتغلغل ليصبح قوة هدم ذاتية وعلاقاتية :

1. العزلة وفقدان الروابط الإنسانية :

المتكبر يرفع جداراً بينه وبين الناس ، فالطبيعة البشرية تنفر من المتعالي ، وتنجذب إلى المتواضع . 

عندما يشعر الآخرون بالدونية في حضوره ، فإنهم ينسحبون ، تاركين المتكبر وحيداً في برجه العاجي . 

يفقد بذلك فرصة الصداقات الحقيقية ، والدعم الصادق ، والحب غير المشروط .

2. الجهل المُقنّع وعدم التطور :

الشخص الذي يرى نفسه كاملاً لا يسعى للمعرفة ، التكبر يُغلق أبواب التعلم ، إذ يرى المتكبر في سماع النصح أو طلب المساعدة اعترافاً بالنقص ، وهو ما يتنافى مع صورته الذاتية . 

هذا الجمود يقف حائلاً بينه وبين التطور والنمو الحقيقي في الحياة والعمل .

3. التعاسة والقلق الداخلي :

الحياة مليئة بالتحديات ؛ والقمة الزائفة التي بناها المتكبر هشة . 

هو يعيش في خوف دائم من انكشاف ضعفه أو ارتكابه خطأ ، مما يُسقط القناع . 

هذا الضغط الداخلي يجعله شخصاً قلقاً وغير سعيد ، فالسعادة الحقيقية تكمن في قبول الذات بضعفها وقوتها ، لا في إنكار أحدهما . 

4. الهزيمة أمام الحقائق :

الحياة لا تجامل أحداً ، عندما تصطدم الأوهام بالحقائق القاسية ، يكون سقوط المتكبر مدوياً ومؤلماً . 

فمن لم يتعود على النقد البناء أو قبول الخسارة ، ينهار نفسياً عند أول اختبار حقيقي ، لأنه لم يمتلك مرونة التواضع .

طريق النور : التواضع كقوة حقيقية ...

الطريق للتخلص من هذا القناع يبدأ بكلمة واحدة : التواضع ، التواضع ليس إذلالاً للذات ، بل هو وعي صادق بقيمتها الحقيقية وحدودها البشرية . 

هو إدراك أن كل نجاح هو مزيج من الجهد والفرصة وفضل الخالق ، وأن للآخرين دوراً في مسيرتنا .

وفي الختام عندما نُبدل نظرة التعالي بنظرة التعاطف ، ونستبدل الأنا بـنحن ، نتحرر من ثقل التكبر ونكتشف الجمال الهادئ والعمق الغني في العلاقات الإنسانية . 

عندها فقط ، تُشرق الروح بنورها الخاص ، دون الحاجة إلى قناع براق يخفي وراءه ضعفاً وخوفاً .

مدونة قوافل الود

تعليقات