في قرية صغيرة تقع بين تلال خضراء ، عاشت سيدة عجوز اسمها نورا ، كانت نورا معروفة في القرية بـ سكينتها الهادئة التي تشع منها ، وعيناها اللتان تريان الخير في كل شيء ، لم تكن نورا غنية بالمال ، بل كانت غنية بـ العطاء .
كانت نورا تمتلك حديقة صغيرة ، يزورها الجميع لا لجمال أزهارها فحسب ، بل لحديث نورا الدافئ ، في أحد الأيام ، جاء شاب يدعى سالم إلى القرية ، وكان قلبه مثقلاً بالوحدة ووجهه يخفي قصة من الخذلان ، كان يبحث عن عمل ومكان يأويه .
رأت نورا في عينيه ما لا يراه الآخرون ، فاستقبلته بـ ودّ صادق ، لم تسأله عن قصته ، بل قدمت له كوباً من الشاي الدافئ وعرضت عليه العمل في حديقتها .
بدأ سالم العمل ، لكنه كان صامتاً ومنزوياً ، لم تضغط عليه نورا بالكلام ، بل كانت تعبّر عن حبها الخالص له عبر أفعال بسيطة : وجبة ساخنة في موعدها ، ابتسامة مطمئنة ، وكلمة شكر صادقة على كل مجهود .
لاحظ سالم أن نورا تمنح أجمل أزهارها لجيرانها دون مقابل ، وتوزع ثمار حديقتها على المحتاجين ، كان عطاؤها غير مشروط ، ينبع من إيمانها بأن الود الحقيقي هو أن تسعد الآخرين بما تملك ، حتى لو كان قليلاً .
ذات مساء ، بينما كان يجلسان يتأملان القمر ، كسر سالم صمته وروى لنورا قصته ، استمعت له نورا بإنصات وسكينة ، وعندما انتهى ، قالت بهدوء : "يا بني ، القلب الجميل هو الذي يعطي حتى وهو مكسور ، تذكر أن جرح الأمس لا يملك سلطة على فرح اليوم" .
لم تكن نصيحة نورا حكماً ، بل كانت مرآة عكست له نوره الداخلي ، شعر سالم بـ الحب يملأ فراغ وحدته ، تعلم أن الود لا يُطلب ، بل يُمنح بسخاء ، وأن العطاء هو الطريق لـ السكينة الداخلية .
بعد مرور عام ، لم يعد سالم ذلك الشاب الثقيل الحزين ، لقد أصبح يساعد نورا في كل شيء ، وأخذ يزرع الود والعطاء بين أهل القرية ، تماماً كما تعلم من سيدته ، وفي كل مرة يبتسم فيها لشخص ، كان يشعر أن سكينة نورا قد استقرت في قلبه إلى الأبد .
الخاتمة : هكذا ادرك سالم ان القلب لا يجد سكينة حقيقية إلا حينما يفيض بالعطاء ، وان الود هو البذرة التي تزهر حباً في كل درب .
مدونة قوافل الود
