إن مفهوم "الحظ" أو "النصيب" هو جزء أصيل من تجربة الإنسان في الحياة ، ولكنه في المنظور الإيماني الإسلامي يتخذ معنى أعمق وأكثر ارتباطاً بـ "تدابير الله" و"القضاء والقدر" .
فالحظ ليس مجرد مصادفة عشوائية ، بل هو مجرى لحكمة إلهية تُفتح أبوابها بالسعي المخلص ، والدعاء ، وحسن الظن بالخالق .
فهم التدبير الإلهي والقدر :
الإيمان بالقدر خيره وشره هو ركن أساسي .
تدابير الله (سبحانه وتعالى) هي إرادته الشاملة التي تُسيّر الكون والحياة وفق علم وحكمة لا يدركها الإنسان إلا بقدر .
هذا التدبير لا يعني الجبرية المطلقة ، بل يضع الإنسان في منطقة اختيار ومسؤولية .
العلم المطلق : الله يعلم ما كان وما سيكون ، وهذا هو القضاء .
المرونة في التنفيذ : هناك ما يُعرف بـ "القدر المُعلّق" الذي يمكن أن يتغير بفعل الأسباب الشرعية ، مثل الدعاء ، والصدقة ، وصلة الرحم .
مفاتيح تغيير الحظ إلى الأحسن :
إذا كان الحظ يُقصد به تحسن الحال والخروج من الضيق إلى الرخاء ، فإن الشريعة تضع أدوات واضحة للتأثير في هذا المجرى الإلهي .
الدعاء والافتقار إلى الله :
الدعاء هو العبادة وهو جوهر تغيير الأقدار .
لا شيء يرد القضاء إلا الدعاء .
هو اعتراف صريح بالضعف البشري والقدرة الإلهية .
عندما يسأل العبد ربه بصدق ويقين ، فإن الله يستحي أن يرد يديه صفراً ، وقد يُغيّر مساراً مكتوباً لحكمة أرادها استجابة لذلك الدعاء .
الاستغفار والتوبة :
الاستغفار ليس فقط لغفران الذنوب ، بل هو مفتاح للرزق والبركة وتحسين الأحوال .
قال تعالى على لسان نوح (عليه السلام) : {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} . (سورة نوح: 10-12) .
إزالة الذنوب ترفع الحواجز بين العبد ورزقه وحظه الجيد .
السعي واتخاذ الأسباب :
الإيمان بالقدر لا يلغي العمل .
بل إن العمل الجاد والمخلص هو جزء من التدبير الإلهي .
يُطلب من الإنسان أن يسعى ، ثم يتوكل .
إذا أراد النجاح (الحظ الجيد) ، فعليه أن يدرس ويعمل .
إذا أراد الثروة ، فعليه أن يتاجر أو يجد عملاً .
هذا الجمع بين التوكل و العمل هو ما يحوّل الأمنيات إلى واقع .
الإحسان وصلة الرحم :
أخبرنا الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) أن بعض الأعمال لها تأثير مباشر على العمر والرزق .
صلة الرحم : "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" .
الصدقة والإحسان : هي تطفئ غضب الرب وتجلب البركة في المال والحياة ، وهي سبب لحفظ النعم ودفع البلاء .
حكمة تأخير الإجابة واليقين في التدبير :
قد يسعى الإنسان ويدعو ، ولكنه يجد تأخراً في تغيير الحال .
وهنا تظهر حكمة التدبير الإلهي .
الخير الخفي : قد يكون ما يراه الإنسان شراً هو في حقيقته خير مؤجل أو مدفوع عنه بلاء أعظم .
الإعداد الإلهي : التأخير قد يكون تهيئة للنفس والظروف لاستقبال النعمة بشكل أفضل وأكثر ثباتاً .
اليقين والثبات : يُطلب من المؤمن الاستمرار في السعي والدعاء بيقين ، عالماً بأن كل تدابير الله هي في صالح العبد إن شكر أو صبر .
إن تغيير "الحظ" نحو الأفضل في المنظور الإسلامي هو نتيجة لانسجام العبد مع التدبير الإلهي .
هذا الانسجام يتحقق بـ التوكل الصادق ، والسعي المخلص ، والالتزام بالأسباب الشرعية كالدعاء والاستغفار .
فحياة المؤمن ليست لعبة حظ عشوائية ، بل هي رحلة سعي تُضاء باليقين بأن تدابير الله كلها خير ، وأن الله قادر على قلب الموازين في أي لحظة استجابة لقلب تائب وملحّ في الدعاء .
مدونة قوافل الود
