حسن الظن حصن لا ينهار


في ضجيج الحياة الحديثة وسرعة إيقاعها ، تبحث الروح المرهقة عن ملاذ ، عن زاوية هادئة تستريح فيها من عناء التفكير والشك .

 والغريب أن مفتاح هذه السكينة ليس في تغيير العالم حولنا ، بل في قرار داخلي بسيط وعميق : أن نُحسن الظن بالناس وأن نكفّ عن مراقبتهم .

إنَّ أكبر هادمٍ لراحة البال هو أن يتخذ الإنسان من نفسه محكمةً دائمةً لمحاكمة نوايا الآخرين . 

كثيرون يظنون أن الحذر والشك الدائم هو فِطنة ، لكنهم لا يدركون أنهم بذلك يفرضون على أنفسهم مهمةً شاقة ومستحيلة . 

كم هي مُتعِبة تلك الروح التي تعيش في حالة تأهب دائم ، تبحث عن الدوافع الخفية خلف كل كلمة أو فعل ! هذه المراقبة ليست سوى عبءٍ مجاني ندفعه من رصيدنا الثمين من الطمأنينة .

لكن ، عندما نتخذ قرار حسن الظن كمنهج حياة ، فإننا نحرر أنفسنا من هذا السجن . 

حُسن الظن هو أن تضع "افتراض البراءة" في قلبك تجاه الآخرين ما لم يُجبروك على غير ذلك بحُجج واضحة وقاطعة . 

وهذا ليس سذاجة ، بل هو قمة الذكاء الروحي والفطنة العقلية 

لأنك بهذا القرار تحمي عقلك من فيضان الشكوك السلبية التي لا تُنتج سوى الهم والقلق .

إنَّ ترك الحكم على الظواهر والسرائر لخالقها هو أسمى درجات التوكّل وأجمل أسباب راحة البال 

عندما تتوقف عن تتبُّع الخطوات والنوايا ، يتحول انتباهك من الخارج المتقلب إلى الداخل الثابت . 

تجد متسعًا من الوقت والطاقة للاعتناء بحياتك ، أهدافك ، وسكينتك الداخلية . 

لن يهمّك ما يفعله الآخرون خلف ظهورهم ، لأنك مدرك أن حياتك لا تتأثر إلا بمدى صدقك وحسن تعاملك معهم .


في الختام ، إنَّ حُسن الظن هو تضحية بالجهد العقيم في سبيل النباهة المُثمِرة . 

هو أن تُهدِي نفسك هدية الطمأنينة الدائمة ، التي لا يُمكن للشك أن يخدشها أو للمراقبة أن تُفسدها . 

اجعل شعارك في التعامل مع العالم : "دع الناس لرب الناس" ، وعِش أنت بقلبٍ أبيض مطمئن لا يعرف الهم طريقه إليه .


مدونة قوافل الود

تعليقات